3 يوليو 2011

أحمد .. قصتي الأخيرة -1-



قبل أن أدرج قصتي هذه هنا، راجعت آخر مرة أدرجت فيها قصة فكانت قبل ما يقارب العام!
مر الوقت بسرعة ...!
وأطلت أنا الغياب..
لكني جئتكم هذه المرة بقصة طويلة قررت إدراجها على فصول كي لا تملوا منها



الفصل الأول ..


وحدها دموع أحمد كانت تشعر به، لذا فقد كانت تتهاوى فوق خديه دونما انقطاع.


مسح جفنيه المبتلين ونهض مقترباً من النافذة، كانت الشمس توشك أن المغيب وقد انسحب نورها ليخيم ظل واسع على باحة البيت الترابية، استطاع أن يرى جدته وهي تزغرد بفرح وقد وقف والده أمامها، تأملهما بصمت أقرب ما يكون إلى الشرود.
 لقد نفّذ أبوه ما أراد فبعد غد ستكون العروس هنا وها هو يجرب ثياب عرسه،  أفلت طرف الستارة من يده وعاد إلى سريره، حانت منه التفاته ناحية الصورة المعلقة على الجدار، طالعه وجه أمه الباسم واستعاد صورة عروس أبيه حين قابلها قبل أسبوع، انتابه شعور عارم بالنفور ورغبة في تمزيق كل ما حوله، لا يمكن أن يسمح لتلك المرأة بالاستيلاء على محل أمه في حياته.



في المساء وحول مائدة العشاء جلس بين جدته وأبيه، صامتاً يتحاشى النظر إليهما، وضعت جدته الملعقة في يده وأدنت منه آنية الحساء قائلة بتودد:“ لقد أعددت هذا العشاء من أجلك ”


تنهد مستاء، يعرفها جيداً إنها تحاول استرضاءه بأي شكل، تريد بطيبتها هذه أن تجعله ينسى فعلتهما


هي ووالده الذي أبدى حزماً يتناقض وسلوكها إذ قال:“ دعيه، فمتى جاع سيأكل ”


امتعض بشدة فها هو أسلوب والده قد بدأ يتغير حتى قبل أن تصل تلك العروس.


همست الجدة ناهرة ابنها وقد أحست بما يدور في خلد حفيدها:“ لا تقسو عليه هكذا يا صادق ”


رد بانفعال:“ هذه ليست قسوة يا أمي، لقد وقع الأمر وعليه أن يتقبله، إلى متى سيتصرف كالأطفال؟ ”


كان هذا الكلام كافياً لجعل أحمد يفلت ملعقته وينخرط في البكاء فأفلت والده ملعقته هو الآخر وأشار بيديه إلى ابنه قائلاً بصوت غاضب:“ انظري، لقد عاد للبكاء من جديد، من يراه لا يصدق أنه في الثانية عشرة ”


-“صادق! كفى ”


-" لا يا أمي، علي أن أضح لهذا الأمر حداً، لا يمكن أن يستمر الوضع على هذه الحال "


تفجرت مكان الغيظ في صدر ابنه فصاح ً:" ألا يحق لي أن أتأثر؟! لقد نفذت رغبتك رغم معارضتي والآن تريد إجباري على تقبل الأمر؟! اعلم أني لن أرضى ولا بعد مئة عام "


زمجر والده بعنف:" انهض من هنا، هيا اغرب عن وجهي وإلا أوسعتك ضرباً ينسيك كيف ترفع صوتك في وجهي، انهض "


نهض من فوره وقبل أن يستدير منصرفاً صرخ ما بين دموعه:" أنا أكرهك لم أعد أطيق المكوث معك "


رفع والده الملعقة وقبل أن يقذفه بها أمسكت أمه بيدها وصاحت:" كلاكما وقح، تتشاجران في حضرتي وكأني غير موجودة "


جذب صادق يده من يد أمه و زفر مغمغماً:" أنا آسف لقد أثار هذا الولد أعصابي "


بينما أشارت بعينها لأحمد كي ينصرف وأخذت تلملم الأواني بعد أن أفسد ولدها وابنه العشاء.




الفصل الثاني ..


غابت خلف أشجار المقبرة أوجه الحياة في القرية وانبعث نسيم دافئ يحرك أغصانها المتشابكة، كان الليل في أوله والقمر يلقي بنوره على القبور المتراصة، سار أحمد بحذر ورغم السكون الجاثم على المكان إلا أن شيء من الخوف لم يدخل قلبه المثقل بهم أكبر.






أمام قبر في أقصى المقبرة جثا مشتاقاً هوت دموعه ساخنة حملها أشواقه المتعبة، وبمزيج من العتاب والشكوى راح يخاطب أمه التي غابت منذ خمس سنين.


طيفها الجميل بقي يظلل حياته حتى اللحظة لكن شبح زوجة الأب جاء يطرق باب حياته، جاء يفتك بآخر الذكريات ويغير وجه الحياة في عائلته.



قبضت يدٌ نحيفة على كتفه من الخلف فانتفض مذعوراً وحين استدار رأى جدته تقف وراءه بوجه شاحب، نهض واقفاً وقال بارتباك:" كيف عرفت أنني هنا؟! "


-" خمنت ذلك "


-" لم أشعر بك، فمتى أتيت؟! "


أشارت بيدها في حركة بسيطة وقالت :" منذ أن بدأت تشكو والدك"


تنهد وقال:" ولم لحقت بي؟ "


-" قلقت عليك فجئت أتفقدك "


ثم أردفت وهي تضع يدها على كتفه وتضمه إليها كما تفعل في المعتاد:" دعنا نعود يا حبيبي، أبوك منزعج "


أفلت منها وقال معترضاً:" لا أريد العودة"


قطبت حاجبيها في استغراب وقالت:" ماذا تعني؟ "


-"لن أعود ما دام أبي مصراً على قراره "


-" لقد تزوج والدك وانتهى الأمر "


انتفض غاضباً:" لا لم ينته، بالنسبة لي هذه بداية لكابوس أبدي "


تنهدت:" أحمد لم أنت مصر على موقفك المتشنج هكذا "


-" لو كنت مكاني لرفضتِ "


-" وما الذي سيجعلني أرفض؟ "


ابتسم بمرارة:" لن تستطيعي أن تشعري بما أحسه أبداً بل أنت على خلافي فرحة مسرورة "


صمتت لدقيقة تفكر بحل لمشكلة لا يبدو أنها ستنتهي ثم قاتل:" أحمد دعنا نعود ونتحدث في الأمر "


-" في أمر قلت أنه انتهى؟! "


زفرت بقلة حيلة:" الجدال في المقبرة لا يصح هيا دعنا نعود "


أومأ برأسه رافضاً وقال:" أنا عند شرطي، إما أنا أو تلك المرأة "


صاحت مغتاظة:" أحمد .. عدت إلى نقطة البداية! قلت لك أبوك تزوج وانتهى الأمر "


صاح بدوره:" إذا مع السلامة "


وركض مبتعداً فنادته بذعر:" أحمد قف.. ستفسد عرس والدك بهربك، لا تكن مجنوناً "


صاح وقد ابتعد صوته كثيراً:" وهذا ما يهمك "



تلاحقت أنفاسها بذهول واضطربت لا تدري ماذا تفعل وأخيراً أقفلت عائدة لتخبر ابنها فيخرج خلف ولده الذي ركض مبتعداً قدر الإمكان ولم يتوقف حتى تجاوز حدود الحي، انحنى ممسكاً بركبتيه وعب نفساً متعثراً، خليط من الاضطراب والغضب كان يتصاعد في صدره وقد أفقدته كلمات جدته آخر أمل له في إنقاذ حياته.



أزاح شعره للوراء وهو يعتدل واقفاً وبنظرة فاحصة قلب نظراته في المكان من حوله إنها المرة الأولى التي يسلك فيها الطريق التي خلف المقبرة وها هي توصله إلى حي لم يسبق له أن زاره من قبل.


لم يكترث بل ربما أراحه ذلك كون والده لن يصل إليه بسهولة، فلا بد أنه سيبدأ بحثه من داخل الحي وحين يفشل في العثور عليه سيقصد الأحياء المجاورة.


 .............
التتمة في القريب .............



بقلم/ خديجة طاهر .. 4-5-2011 .. الأربعاء

هناك 4 تعليقات:

  1. ليش هالقسوة الأبوية، لاشك انه يكره زوجته المرحومة فلذلك يكره ابنها! حسب اعتقادي .. وبانتظار بقية الأجزاء التي فيما يبدو ستبين لنا جزء آخر من وجود " زوجة أب " جديدة في المنزل ، وكيف انها ستحاول تغليب دورها او ستحاول ان تكون مكان أم أحمد !


    بالانتظار

    تحياتي
    واحة خضراء

    ردحذف
  2. جميل أنك وضعت تخمينك للقصة لكنك لا تعجل وانتظر الباقي

    ردحذف
  3. خديجة
    هل تسمحين لي أن أرسم شيئاً من مشاهد قصصك
    فما زال جمالها ينبعث في روحي

    ردحذف
  4. العزيزة ترانيم
    افعلي ما يحلو لك
    ^ ^

    ردحذف