( إلى أعزائي الذين اغتربوا وما زالوا يغتربون )
عدت ذلك المساء وفي داخلي تجنح خيالاتٌ سعيدة، فقد بت على موعد مع بلدتي تفصل بيني وبينه ساعات، دخلت الغرفة، ألملم أغراضي المبعثرة إيذاناً بالرحيل، زاحمتني خيالاتي الوردية، وكأنها طارت للبلدة قبلي، حمَلتني على التوقف والسكون إلى الذكريات، ففتحت درج مكتبي الخشبي واستخرجت ألبوم صوري الصغير، لأقلب وجوه أحبتي وأتأمل ملامحهم الحبيبة، يا الله كم اشتقت لثرثرة فطومة، و ضحكات محمد. التفت ناحية الباب إثر طرقات خافتة بددت استغراقي الحميم، لأجد حنين تقف عند الباب وقد لفت شعرها القصير بمنديل وارتدت مريول طبخها البنفسجي، استذكرت وعدها لي ليلة أمس ونهضت أتبعها نحو المطبخ، كنت منشغلة في تطبيق الوصفة التي اختارتها لي بذوقها المطبخي المميز، حينما تذكرت أمراً كدت أغفله، علي أن أرسل لأختي أخبرها بقرار قدومي، قد تسألونني لم لا أتركها مفاجأة لكني لا أحبذ هذا النوع من المفاجآت لا لشيء فقط كي لا أفقد طعم الاستقبال المعد (الكعك والآيسكريم) مسبقاً، كانت يداي ملطختان بالعجين فطلبت إلى حنين أن تستخرج الهاتف من حقيبتي وترسل لأختي رسالة نصية تفيد قدومي، وعندما انتهت ركنت الهاتف إلى جانبي وعادتي لاستئناف عملها، بعد قرابة النصف ساعة انهينا اعداد الكعكة التي التهمتها عدست كامرتي بشغف، وعدت لاتمام أعمالي، فعلي المغادرة بعد الغروب بساعة واحدة، كنت أعد الدقائق التي كان طولها يتذبذيب لدي، فتارة أجدها قصيرة حين أنظر إلى كوم الأعمال التي علي الإسراع في انهائها، وتارة أجدها طويلة حين أستذكر دفئ موعدي، لكن الساعات تمضي مهما كان شعورنا حيال طولها.كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساءً عندما توجهت نحو الباب أحمل حقيبتي الصغيرة التي نوالتني إياها حنين، استدرت قبل الخروج ودعتها وبقية زميلاتي في السكن، وتابعت طريقي إلى محطة الحافلات في المدينة، سرت وفي داخلي حنين لحنين التي ما فارقتها مذ وصلت إلى هنا ولذكريات غرفتنا البسيطة، وكأني سأغادر لمدة طويلة، لكن شوقي لأهلي كان يهدء حنيني، ويدفعني إلى حث السير للوصول إلى المحطة باكراً، نظرت إلى ساعة معصمي حالما ولجت إلى المحطة، كانت تشير إلى السادسة وأربعين دقيقة، عشر دقائق من السير المتواصل لم أشعربها لشدة استغراقي في التفكير بالبلدة، وقد تمنيت لو أني اطلت في السير كي لا أضطر لانتظار الحافلة لوقت طويل، لكنها وصلت أخيراً.صعدت بارتياح، ولحسن الحظ لم تكن الحافلة مزدحمة، اخترت مقعداً قريباً من النافذة وجلست أحدق بعوالم الطريق التي سرعان ما أصابتني بالضجر، فأغلقت الستارة، وألقيت برأسي على النافذة لأغط في النوم، استيقظت بعد وقت لم أستطع تقديرة، لأجد الحافلة قد توقفت، فحملت حقيبتي ونزلت بهدوء، لأكتشف فيما بعد أني وقعت في ورطة، ويالها من ورطة، لقد ترجلت في المحطة الخطــــــــأ!!!، كيف لم أنتبه، يالتعاستي التفت ناحية الحافلة التي أخذت تبتعد، حاولتُ اللحاق بها لكن هيهات، وقفت ألهث خلف أطلالها وقد استولى عليّ الفزع، ماذا أفعل الآن؟ هل أنتظر قدوم الحافلة الأخرى؟، كم علي أن أنتظر؟ أحسست بالغصة، لكني تماسكت، توجهت لأحد المقاعد لأحكم السيطرة على أعصابي، ، لكني و قبل أن أمد يدي نحو حقيبتي تذكرت أمراً، فقد تركته حنين فوق الطاولة في المطبخ ولم تسعفني ذاكرتي لإعادتة إلى الحقيبة، يا إلهي ما الذي يجري؟!، لم يبقى أمامي سوى استخدام الهاتف العمومي، نهضت باضطراب، توجهت نحو الهاتف الأقرب، رفعت السماعة بيد مرتجفة ووضعتها بين خدي وكتفي وأنا أحاول فتح الحقيبة لأكتشف أني أحمل حقيبة حنين بدلاً من حقيبتي!!، وقعت السماعة مني وأنا أقلب مقتنيات الحقيبة، كيف حصل ذلك، حنين... ماذا فعلت بي....! لقد أعطتني حقيبتها بدلاً من حقيبتي، فحقيبتينا متشابهتان، كدت أجن، لم أستطع الإحتمال، اسندت ظهري إلى الجدار وأوصالي ترتعد، غير معقول، ماذا يحدث معي؟ أي حظ ٍ عاثرٍ هذا الي ما فتئ يلاحقني مذ خرجت من السكن!، بكيت بصمت، إنها لا تحتفظ في حقيبتها لا بهاتفها ولا حتى ببعض النقود!!، عدت إلى المقعد من جديد، وأنا أخفي دموعي بكفيّ، لا أدري متى ستمر الحافلة القادمة، الوقت بدأ يتأخر، وأهلي سيقلقون، ماذا أفعل؟؟، يا إلهــــي!!، كعادتي تركت لدموعي العنان ولكن ليس بشكل معلن فقد غطيت وجهي بكفي كمن يفكر بأمر ما، وبعد أن هدأت قررت انتظار الحافلة وحتى لو لم أقرر فلا حل أمامي سوى الإنتظار، بدأت أسلي نفسي بذكر ما أحفظ من الآيات والأدعية، وفي صدري يضطرم القلق حيال عائلتي بالأخص أمي، رفعت عيني إلى السماء ونظرت بمعمق إلى ما بعد سبع سماوات "يا أمان الخائفين" أغمضت عيني، وكلي أمل بالله أن أصل بلدتي بسلام، مر الوقت ببطء، ولم أنظر إلى الساعة مطلقاً فقد خاصمت الوقت حينها، حتى سمعت صوت الحافلة يبدد وجوم أوصالي لأصعد ولكن في مقعد جانبي لا يسمح بالنوم بتاتاً، وبعد وقت الثقيل وصلت بلدتي ليستقبلني موكب ناحب خشية فقدي بدلاً من موكب الفرح الذي كنت أنتظرة، وبت ليلتها دون أن أذوق الحلوى التي كنت أطمع فيها فقد تلاشت رغبتي فيها بعد ما حصل. خديجة طاهر .... السبت .... 2009-09-26 ... 5:00 AM
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق