( إلى ضحايا الإرهاب في هذا العالم)
أطل الربيع باكراً هذا العام، جاء مختالاً يزهو بعطر أزهار الياسمين التي بدت كثلج ربيعي رائع، أو هكذا تراءت لموسى الذي بدا ساهماً وهو يحدق بشجرة الياسمين وقد اتشحت ببياضها الربيعي المعتاد.مذ أزهرت وهو يشعر بشيء خفي يجذبه نحوها يصر على أن يتأملها ويقف أمامها لحظات طويلة متكئا على عكازيه حتى ينال منه التعب فيستوي جالساً، ربما هو شعوره بالوحدة في الآونة الأخيرة جعله يبحث عن رفيق جديد ، أو لما تختزله تلك الشجرة من ذكريات ليس بوسعه أن ينساها. تمنى لو أن بمقدوره أن يقطف أزهارها من جديد ليحملها إلى أخته لتصنع منها عقداً يتدلى حول جيدها ويقفز معها كيفما قفزت، اقترب منها، تخلص من أحد عكازيه ومد يده محاولاً الإمساك بإحداها فجأةً أضاءت في أعماقه مشاهد شتى، فتارةً يرى أخته تقفز من حوله وضحكاتها تملأ المكان تمسك بيده تستحثه ليحملها حتي يتسنى لها أن تقطف الأزهار، وأخرى تطل عليه من وراء الشجرة وقد ازدان صدرها بعقد من الياسمين صنعته بأناملها. إشتعل مشهد مرعب في مخيلته، يوم كانا خارجين من البيت معاً كان ذلك في يوم العيد من العام الماضي حين قالت وهي تلتفت ناحية تلك الشجرة : اتمنى لو أنها أزهرت، كنت صنعت لنا عقدين جميلين نلبسهما هذا اليوم. ابتسم قائلاً: ستزهر بعد شهور قلائل لاتستعجليها.كانت تلك آخر مرة التقيا فيها قرب تلك الشجرة فبعدها لم يعودا إلى البيت سوياً، لقد كانا معا حتى حل العصر حيث خرجا قاصدين احدى محلات الألعاب التي تقام في الشوارع أيام الأعياد، تركها تذهب مبتعدة لتغيب بين الجموع المحتشدة هناك، ولكم لام نفسه على ذلك فما كان عليه أن يتركها وحدها على الأقل كانا ماتا معا فذلك أفضل بالنسبة له من أن ترحل هي وتتركه يعاني عذاب الضمير وحده، لقد دخلت بين الجموع بينما وقف هو بعيداً ينتظرها ريثما تعود، كان يعلم أن انتظاره سيطول لكن لم يخطر بباله أنه لن ينتهي فبينما هو كذلك دوى انفجار عنيف أحال الدنيا ركاما مشتعل، لقد حمله الإنفجار بعيداً لينجو بحياته لكن لم ينس أن يخطف منه ساقه بعد أن خطف أخته من الحياة. أفاق من شروده على صوت العكاز ينزلق من يده ليهوي به أرضاً، جلس محاولاً استعادة توازنه فوجد الأرض من حوله وقد امتلأت بأزهار الياسمين التي تناثرت إثر اصطدامه بالشجرة، ابتسم وهو يلمها ودموعه تهوي من مقلتيه جمعها ليصنع منها عقدا يحمله لأخته متى ما قصد المقبرة. الإثنين30 يونيو 200813:29البحرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق