(إلى الذين اغتيلت أحلامهم)

- حسونه، أجل سأسميه حسونه.
قالها وهو يقبل طفله وقد احتواه بين ذراعيه، لم يكن أحد يدرك سر تلك الدموع التي انسابت من عينيه لتبلل وجنة صغيره - حسونه كم حلمت بهذا الاسم وقد جئت اليوم لتحمله.... أحبك صغيري. ضمه إليه بحنان وقد تقتقت في داخله جراحات لذكرى أليمه عز عليه تجاهلها، رنا إليه بحب -إنك هو، أجل أنت هو حسونه الذي انتظرته، إني أراه فيك . رفع عينيه إلى السماء هامساً من أعماقه: - إلهي ... شكراً لك.
هنا حيث تشق الأحلام وتتعثر الأماني ، حيث لا يسمح لك بالسعادة، تصبح أبسط الأحلام أمانٍ كبيرة قد لا تتحقق إلا بعد حين وهكذا كانت أحلام محمد، فحسونه، هذا الاسم الجميل قد سار معه مذ كان طفلا في الخامسة، منذ ذلك النهار الذي حكم على أحلامه بالإنهيار.
كان صباحا دافئا من صباحات الربيع وقد أطلت الشمس بأشعتها الرقيقة تبعث الحياة في أزقة القرية الضيقه، جلس محمد على عتبة الدار ويداه تمسكان بحقيبة صغيرة جمع فيها كل مستلزماته للرحلة البحريه التي وعده بها خاله، جاءت والدته لتلبسه حذاء ملائما للبحر وهي توصيه بأن يكون مهذباً ومطيعا ، كل ذلك ليحبه حسونه فهي مافتئت تردد اسم حسونه على مسامعه مذ لاحظت انجذابه نحوه، مد يده نحو بطنها ليتحسس مكان شقيقه وأخذ يحدثه بمرح عما سيفعله في الرحلة البحريه، ففي الربيع يحلو نسج الحكايات ومع نسائمه الطيبه يحلو الاستغراق في الأحلام لأطفال لم يعو من الحياة شقاءها بعد، كان محمد يختزل في طيات نفسه البريئة الكثير من الأحلام، صور ملونة زاهية بالسعادة والابتهاج، صور لم يخطر بباله أنها ستحترق يوماً. قفز فور دخول خاله إلى باحة المنزل، ومد الآخر ذراعيه نحوه معانقا وحمله ليخرجا سوياً بعد أن ودع شقيقته، كانت الفرحة ترقص في داخله لكنه تمنى لو أنه استطاع أن يأخذ حسونه معه أيضا، لابد أنه كان سيفرح كثيراً إذا رأى البحر و سيسر بالركض على الرمال، لقد بات حسونه يرافقه أينما ذهب ويداعب تفكيره أينما حل، وهو في غاية الشوق للقائه، لقد وعدته امه بأن يأتي عما قريب، لكن هنا حتى أقرب الأحلام ليس بالضررة أن يتحقق. كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً عندما وصل محمد برفقة خاله إلى الشاطئ، ركض نحو البحر في لهفه ونسائم الربيع المنعشة تداعب خصلات شعره الأسود، كان يقفز ويركض وفي عينيه العسليتين تتألق سعادة غامرة اغتالها رنين هاتف خاله، فقد كان يحمل أنباء لم تكن في الحسبان رد خاله على الهاتف و هو يستند إلى سيارته، باغته صوت والدته وقد شابه شيء من الفزع:
- أحمد ..... عودا بسرعه
رد مأخوذاً: ما الأمر أمي صوتك يخيفني؟! ،
أجابت بصوت قطعه البكاء: أختك أصيبت في غارة ونحن في المشفى الآن تعاليا بسرعه لا تتأخرا.
رد بذهول: ماذا؟.... متى حصل ذلك لِمَ لم تخبريني فور وقوع الحادث ؟! أمي....!
قاطعته في إعياء: ليس هذا وقت العتاب تعاليا بسرعه، إنها تريد أن ترى صغيرها.
أغلق الهاتف وقد غامت الدنيا في عينيه واستولت الهواجس على تفكيره، شد نفس قوياً ونادى محمداً الذي كان في غفلة من أمره، أمسك بيده وهو يفتح باب السياره قائلاً : هيا عزيزي علينا أن نعود.
نظر إليه مستغرباً - لكننا ولصلنا للتو، لقد وعدتني بأن نقضي وقتاً طويلاً هنا!.
قبله قائلاً: هيا كن مطيعاً حتى أصطحبك إلى هنا من جديد.
لم يكن محمد يدرك حقيقة الأمر فأحمد لم يجد الطريقة التي يوضح له الأمره بها،عندما وصلا إلى المشفى كان المكان مزدحما بالمصابين، اجتاز صفوف الناس وسار حتى وجد والدته كان محمد يمشي خلفه من دون أن يفهم شيءً، ضمته جدته وأخذته إلى والدته، ركض إليها فور أن رآها وجلس إلى جوارها وقد هاله منظرها، أمسك بيدها هامساً: ماما....! ماذا حصل؟ ، التفت الى بطنها وقد زال انتفاخه، مد يده ليمسك به لكنه لم يجد أي أثر لحسونه هذه المرة ، رفع عينيه نحوها وقد اطلت فيهما نظرة محتارة، ضمته بقوه وهي تبكي، همست بنبرة منكسرة : حسونه ذهب إلى حيث بابا يا حبيبي، ذهب. حدق فيها واجماً وقد تحطمت كل أحلامه.
21-6-09…… Sunday…….5:40 pm khadeeja taher
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق