20 يناير 2010

خربشات شمعية

(إلى الذين أسبغوا على الحياة لوناً بريءً)
استوعب الأفق حمرة الشمس وقد جنحت نحو المغيب، جلست قرب فراش شقيقي أقلب دفتر رسمه الجديد. كان الدفتر خالياً في أغلب صفحاته، حتى أن علبة الألوان الشمعية التي اقتنيتها له مؤخراً بدت سليمة، لا أدري لم أشعر أن ذلك الفتى قد تغير فجأة، في السابق كانت دفاتر رسمه الصغيرة تضج بالألوان، كنت أتصفحها بشغف استشف عوالم طفولته البريئة وأدرك رغباته الامتناهية، كان الغسق ساعة هوايته المفضلة، فقد كان يعود إلى البيت وفي داخله تضج أحلام شتى، فكثيرا ما كانت تلك الأزقة الضيقة مثار رغباته البريئه. وكنت أحرص على اقتناء دفاتر الرسم وعلب الألوان الشمعية التي طالما التهمتها صفحات أحلامه التهاما فلا يبقى منها سوى قطع منهكه، وذلك كي أسمح له بتفريغ شحنات أحلامه قدرما يشاء، إضافة إلا أني كنت أستخدمها لتكون أفكارا لهدايا عيد ميلاده التي لا يسعنا الإحتفال بها كل عام، ولقد كان يدرك ذلك فيرسم كل ما يشتهيه كي يراه على أرض الواقع في رابع شهر من السنة إن سنحت الفرصة لذلك. لكني الآن أقلب صفحات بيضاء خاوية من أي خربشه، أزاح بياضها عني صوت الباب يفتح فجأة، لأجده يقف قُبالتي يحدق بما أفعله،اقترب مني قائلاً وهو يلملم حاجياته من بين يدي: "لم استخرجتها؟ لقد خبأتها ولا أريد العودة لها." قطبت مستغرباً: عجباً! ولم اعتزلت الرسم أيها الرسام؟! قال وهو يعيدها إلى درج الدولاب القديم: "لا أريدها... لا أحتاجها... لم تعد تهمني." سحبته إلي: " قل لي بصدق ... لِمَ؟ إني لا أفهمك ! " قال وهو ينظر في عيني: " لقد كبرت ولا أريدك أن تدللني." استرسلت في استغرابي: " حقا!! لكن من سؤدلل إذاً." قال:" لا داعي لأن تدلل أحداً، أنا.... افهمني فقد بات ذلك يشعرني بالتفاهة يا أخي ". تساءلت وقد أشعرتني كلمة - افهمني- بشيء لم أستطع تفسيره: "لكن لِمَ؟!! " سحبني من يدي قائلاً وهو يهم نحو الباب: " تعال سؤريك شيءً" أذعنت لطلبه وتبعته. خرجنا إلى الطريق وقد بدت الشمس غارقة في بطون البيوت الطينية المتراصه، دخلنا أزقة متشعبة أحفظها عن ظهر قلب، لكني لم أتوقع أننا سنبتعد، وأنَّى لي ذلك وأنا لا أعلم وجهتنا!. وصلنا إلى الشارع المؤدي إلى مدرسته، توقفنا عند أحد محال تصليح الأحذية، قال وهو يشير بسبابته إلى ولد بدا في مثل سنه لكنه أهزل بنية منه بعض الشيء، قال بتأثر: أنظر ، هل ترى ذلك الولد ذو الكنزة السوداء، لقد كان أحد رفاقي المتفوقين في المدرسه، لكنه توقف عن الذهاب إلى المدرسة الآن، والسبب أن عائلته الكبيرة تمر بضائقة مالية عصيبة لم يجد معها بداً من أن التضحية بطموحاته لمساعدة عائلته. وقفت مشدوها وقد شلت المفاجأة لساني أحدق بالفتى حيناً وبأخي الذي كبر في عيني فجأة حيناً آخر، أحسست بالإنكماش، كم أنا غافل. وقع صوته مجدداً كالمطرقة فوق رأسي: أتريدني أن أحلم بعد اليوم بتوافه الأمور وأنا أرى أحلام الآخرين تتحطم رغم كبرها ........ !. دوى صوت خفي في داخلي " أنت تكبر، تكبر بقدر ما تعتبر " همهمت: " رحمك الله يا جدتي لطالما قلتها وها أنا أراها تتجلى أمامي الآن. 3:40 AM الخميس 2009-8-27

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق