25 أغسطس 2010

لم أكن أعرف ..!

قبل أسبوع .. و في زيارة لإحدى الجارات.. / شددت ذراعها وأنا ألتصق بها حتى تكاد تتعثر في مشيتها و قلت بإلحاح:" لماذا؟ أجيبيني" / لكنها قالت بغيظ وهي تصك أسنانها:" أسكتي وإلا ضربتك "ا / بتلعت أسئلتي وأنا أدخل إلى البيت .. /
العينيان المظللتان بالسواد تشغلانني وتجعلان تفكيري مشلولاً فلا أكاد أرى ذلك الوجه حتى تتبعثر الأسئلة في عقلي الصغير و أتحرق لأعرف السر وراء ذلك الاحتجاب الدائم.. / / قبل أيام.. / كنت في المتنزه المتاخم لبيتنا برفقة أخي الأكبر ورأيته.. / فما كان مني إلا أن تركت الأرجوحة ووثبت نحو أخي الجالس على بعد قليل مني، وقلت وانا أشير نحوه:" من هو ذلك الولد؟ " / فرفع أخي عينيه عني وتطلع إلى حيث أشرت بسبابتي و فوراً جذب يدي وقال بصوت منخفض:" لا تشيري إلى الآخرين بهذه الطريقة يا زينا " / فقلت باستغراب:" ولم؟ " / قال وهو ينظر نحوه مجدداً:" ما تفعلينه أمر معيب، هذا أولاً ثم إن الأمر لا يعنيك " / صحت بالحاح:" لماذا؟ أخبرني أرجوك " / لكن أخي غضب وصاح:" قلت لك لا شأن لكِ " / ومرة أخرى ابتلعت لساني وجلست إلى جانبه أتأمل ذلك الولد بمزيد من الإستغراب.. / / واليوم رأيته صدفة .. / كنا في طريقنا نحو المنزل وكنت اجلس عند النافذة عندما لمحته جالساً على عتبة بيتهم، بسطت يدي على النافذة المغلقة وهمست:" إنه هناك!" / فنظر إلي أخي عبر مرآته الأمامية وتساءل:" من هو؟ " / فقلت وأنا أتعلق بكرسيه من الخلف:" الولد الذي رأيناه في المتنزه " / زفر أخي وقال:" ألن تدعي ذلك الولد وشأنه يا زينا؟!" / قلت وأنا ألتفت للخلف لأنظر إليه وقد ابتعدنا عنه قليلاً:" إنه يثير استغرابي "تساءل أخي:" وما الغريب فيه " / -"النظارات السوداء، إنها يضعها كما لو كان أحد الكبار " / تنهد أخي وقد بدا عليه الأسى لكنه لم يقل شيء بل أوقف السيارة أمام الباب وقال وهو يترجل:" هيا انزلي "نزلت ووقفت للحظة أنظر للطفل الذي يبعد بيته عن بيتنا مسافة ثلاثة بيوت .. / / دخل شقيقي إلى المنزل أما أنا فبقيت في الخارج أنظر له من بعيد وهو يتحدث لطفل بدى في مثل سنه، كان يتصرف بشكل غريب.. / كنت مشدوهة و منشده بكل حواسي نحو ذلك الصغير الذي بدأت أقترب منه بهدوء حتى وجدتني أقف أمامه تماماً لكنه لم ينظر إليه رغم إني كنت قريبة منه جداً.. / وحين أحس بي ناداني ولكن باسم صبي ! ربما ظنني ذلك الطفل الذي كان يحدثه قبل قليل.... / دنوت منه أكثر وببطأ رفعت يدي ولوحت أمام عينيه لكنه لم ينظر إليه أيضاً.. / تطلعت إليه ببلاهه، وانحنيت لاقتلع نظارته عن عينيه.. / تلفت وصاح:" أعد إلي نظارتي يا حامد "فقلت بغضب:" أنا لست حامد، أنا زينا ألا ترى ؟!" / حينها أمسكتني يد غليظة من الخلف فالتفت فزعة، فكان أخي يقف خلفي وقد بدا عليه الغضب، صاح بنفاذ صبر:" زينا ما الذي فعلته؟!" / وهنا التفت الولد ناحيتنا وصاح:" من أنتما؟" / بدا أخي محرجاً قال وهو ينتزع النظارة من بين أصابعي الحمقاء ويعيدها على وجه ذلك الطفل وهو يقول:" آسف يا صغيري، أعتذر عما حدث ! " / ومن ثم يجذبني من ذراعي وهو يصيح:" هل ارتحت الآن ؟" / / قلت بحذر وأنا أنظر إليه بقلق:"صدقني لم أكن أعرف.. / "صمت قليلاً ثم قلت:" أنه أعمى ! "
26-8-2010 الخميس / خديجة طاهر

هناك 6 تعليقات:

  1. فضول هالبنت، ولزاجتها، ما تخلي الناس ترتاح الا اذا عرفت السبب


    التحدث والاشارة والنظر الى الطفل، كُلها بشخطة قلم كاميرةً تصورت امامنا .. وكانني اشاهد التلفاز !


    شكراً

    ردحذف
  2. واحة.. أشكر لك تواجدك الدائم حيث نصوصي

    جميل أن الفكرة وصلت كما أردتها رغم أني كنت
    أخشى الغموض السلبي..

    شكرا ..
    خديجة

    ردحذف
  3. عادة لا تجذبني النصوص الطويلة، حتى وأن كنتُ أعزمُ أو أشتهي قراءة نصٍ لقصة قصيرة،

    لكنكِ عزيزتي،
    تشدّين حواسي هُنا، بنصكِ الشيق هذا،
    هطل منسابًا جميلًا، وواعيًا،

    لنا كثيرٌ من أسئلة الفضول العارمة التي تخبئ خلفها، حكايات مختلفة،
    تُدّهشنا،
    وتوجعنا،

    ولستُ أجدُ أيّ غموضٍ تخشينه،
    إنما بقي في ذهني سؤال صغيرٌ عن الجارة!


    تحية طيبة.

    ردحذف
  4. سررت بطلتك عزيزتي زينب ..

    ردحذف
  5. الأطفال هم أكثر من يزرعون الدهشة!

    و عندما يسعون للإكتشاف، أكبر دهشة لنا مشاهدتهم يفعلون ذلك.
    نعم، شعرتُ بأنني أشاهد لشّد ما كنتِ واضحة و سلسة في الكتابة!

    و خيالكِ مُنفتحٌ جداً، واصلي ..

    ردحذف